د. ابراهيم ابراش يكتب:
الفلسطينيون ما بين خطر كورونا ومخاطر الاحتلال
نتفهم انشغال القيادة الفلسطينية بوباء كورونا وتداعياته وسبل مواجهته بما هو ممكن ومتاح من الإمكانيات، كما نقدر الانجازات التي يتم تحقيقها لمواجهة كورونا بالرغم من الارتباكات المصاحبة للإجراءات المتخذة تشبها ًبما هو معمول في الدول المتقدمة بدون الأخذ بعين الاعتبار التباين في الظروف والإمكانيات، إلا أن المطلوب إنجازات في مواجهة الخطر أو التحدي الاستراتيجي وهو الاحتلال وصفقة ترامب نتنياهو.
إن كنا لا نقلل من أهمية المظاهر الشكلانية أو التشبه بالدول المستقلة في الإجراءات المتخذة لمواجهة كورونا أو في أي تصرفات أخرى، إلا أنه يجب الحذر لأن هناك اختلاف كبير بين الوضع في فلسطين والوضع في بقية دول العالم، ليس فقط من حيث الإمكانيات بل من حيث الأولويات في المخاطر المُهددة للأمة وللوجود القومي، حيث دول العالم غير مهددة بوجودها القومي بالاحتلال، وبالتالي يمكن اعتبار وباء كورونا الخطر والتحدي الأكبر بالنسبة لها، بينما الشعب الفلسطيني الوحيد في العالم الواقع تحت الاحتلال ولا يعيش في دولة مستقلة ذات سيادة وبالتالي يعتبر تحدي الوباء في الدرجة الثانية من الأهمية بالرغم من خطورته.
انطلاقا ًمن ذلك فإن مهمة مواجهة خطر الاحتلال ومخططاته الاستيطانية وضم الأراضي لها الأولوية على أية مواجهة أو مهمة أخرى حتى وإن كانت وباء كورونا، أو على الأقل ألا يؤدي الانشغال بكورونا لتجاهل الاحتلال ومخططاته، لأنه مهما كانت تداعيات كورونا فإن خطره يبقى آنياً حتى وإن طال أمده، وحتى لو أدت تداعيات الوباء لتصعيد ومواجهات بين الدول الكبرى فإن نتائج المواجهة ستؤدي إلى تعديل في موازين القوى بين الكبار وإعادة تقاسم العالم ولا ضمانة بأن التغيير في النظام الدولي سيكون لصالح العرب بشكل عام أو لصالح الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص.
على القيادة الفلسطينية وكل الفاعلين السياسيين الاهتمام بالقضايا الوطنية الرئيسة وبالخطر الدائم والمتواصل الذي يهدد الوجود الوطني وهو الاحتلال والاستيطان، وقد أشار السيد الرئيس أبو مازن إلى ذلك في خطابه في الثاني والعشرين من ابريل الحالي بمناسبة حلول شهر رمضان واعداً الشعب بأن القيادة لن تسكت في حال إقدام حكومة التحالف الصهيوني على ضم أراضي فلسطينية، ولكن يبدو أن أي تهديد لإسرائيل لن يجدي ولن يكون له تأثير في ظل استمرار حالة الانقسام والشلل في النظام السياسي، وهو وضع لا يوفر أي عناصر قوة للرد على المخططات الإسرائيلية.
كورونا أصاب إسرائيل بدرجة أكبر من الفلسطينيين ومع ذلك لم تتراجع عن مخططاتها الاستيطانية ومشاريعها التوسعية وسياستها العدوانية والعنصرية، وقد نجح تحالف اليمين في التوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة نتنياهو وكان من بين بنود التوافق بين نتنياهو وغانتس تنفيذ مخطط ضم أراضي فلسطينية ومواصلة تنفيذ صفقة ترامب –نتنياهو من طرف واحد، مما سيجعل من هذه الحكومة الأكثر خطراً على قضيتنا ومشروعنا الوطني، كما أوضحنا ذلك وحذرنا منه في مقال سابق.
لم يقتصر الأمر على إسرائيل، فقد أدى خطر وباء كورونا وعبر العالم إلى حالة غير مسبوقة من التضامن الاجتماعي وتجاوز الخلافات السياسية ولو مؤقتاً، إلا في الحالة الفلسطينية، حيث لم يحرك الوباء طرفي المعادلة السياسية في الضفة وغزة للتفكير في آلية للمصالحة والتقارب، وركب الجميع موجة تحدي كورونا وكأنه لا توجد مخاطر وتحديات أكثر خطورة من كورونا.
سيتم تجاوز خطر الكورنا اليوم أو غداً بالقضاء عليه أو التعايش معه كبقية الأوبئة والأمراض، ولكن سيبقى الاحتلال والاستيطان والانقسام الداخلي واستمرار الصراع على السلطة والشرعية، وسيقف الفلسطينيون في مواجهة أخطر حكومة إسرائيلية، فماذا هم فاعلون؟
إن استمرت الطبقة السياسية في الاشتغال والانشغال بالقضايا الطارئة وبتدبير أمور الحياة اليومية المعيشية فمعنى هذا أنها ارتضت أن تكون مجرد سلطة حكم ذاتي محدود وملتزمة بنصوص اتفاقية أوسلو بل وستبدو وكأنها متساوقة مع صفقة القرن، إطالة هذا الحال سيؤدي لأن يستسلم الشعب للأمر الواقع والتعايش مع ما هو قائم وهو ما تسعى القوى المعادية لفرضه على شعبنا، متسلحة بحالة عجز الطبقة السياسية وانشغال العالم بوباء كورونا وبالأزمة الاقتصادية العالمية المرشحة لمزيد من التدهور.