أحمد سعيد كرامة يكتب:
الإدارة الذاتية للجنوب .. هل قابلة للنجاح حاليا
كتبت ونشرت مقال قبل أكثر من ثلاثة أعوام تقريبا بعنوان : للرئيس هادي . . القرار يحتاج لصناعة ، صناعة القرار تحتاج لمراكز دراسات وأبحاث وهيئات ومكاتب محلية ودولية ولكبار المحللين والمختصين ، ومع هذا قد تكون النتائج سلبية بسبب أننا غفلنا أو تجاوزنا طرف ما ، قرارك المحلي لم يعد محلي بعد اليوم إذا تعارض مع مصالح الإقليم والعالم .
أتمنى كجنوبي أن تنجح الإدارة الذاتية لأنه نجاح للمواطن الذي تضرر كثيرا من فساد وفشل الشرعية المهترئة ، لكن لكل نجاح أسباب ومسببات ورؤية علمية وعملية حديثة وكذلك أدوات مهنية رفيعة تصقل تلك القرارات على أرض الواقع ، هل توفرت تلك الشروط بفريق الإدارة الذاتية الموجود حاليا ، الإجابة لدى الشعب .
نجاح الإدارة الذاتية للجنوب ليست مستحيلة ولا سهلة كما قد يتصورها البعض ، أدوات الفشل لا تصنع النجاح والتفوق بل العكس ، وتجريب المجرب هو تخريب المخرب ، لم تستطيع شرعية الرئيس المؤقت هادي أن تحرز أي تقدم أو تخطوا أولى خطوات النجاح ، ويعود ذلك إلى دكتاتورية وتسلط الرئيس هادي الذي ألغى العمل المؤسسي الجماعي ، اليد الواحدة صعب أن تصفق ، وطيلة فترة رئاسته أصر الرئيس هادي على التصفيق بيد واحدة وكانت النتيجة كارثية .
الاستفراد بالقرارات المصيرية دائما ما تكون عواقبها وخيمة ، ولهذا كبرى الدول وأصغرها تلجى إلى عمليات الاستفتاء المباشر من قبل الشعب رغم وجود مجالس للشعب و برلمانات منتخبة لكي لا تتحمل الحكومات أو القيادات تبعات الاستفراد بذلك القرار ، المرض العضال لدى الشعوب العربية وقادتها وزعمائها ورؤسائها هي الاستفراد بالقرارات المصيرية التي غالبا ما تكون كارثية ، وعندما تحل الكارثة يدفع الشعب وحده ثمنها .
ما الذي نريده بالضبط من الإدارة الذاتية للجنوب ، هل نريد توفير الخدمات والرواتب والأمن والاستقرار والتنمية ، معنى ذلك يجب وضع يدنا على موارد الجنوب بصورة عاجلة كون المواطن يعيش أسوأ أيامه على الإطلاق ، وبالتالي يحتم علينا إصدار قرارات تعيين وإزاحة جميع أدوات الشرعية بجميع المرافق الايرادية والخدماتية ، وهذا لن يحصل بوقتنا الراهن كوننا وقعنا على إتفاق الرياض وأعترفنا أمام العالم بشرعية الرئيس المؤقت هادي وحكومته ، الترديد المستمر أننا جزء من الشرعية والتحالف يعني أن يبقى الحال كما هو عليه .
عدم التنسيق المسبق مع المحافظين بالمحافظات الجنوبية وبالتحديد المهرة وحضرموت وسقطرى وأبين والضالع ولحج كان قرار غير مدروس ، ورفض بيان المجلس الانتقالي الجنوبي من قبلهم أضعف وحجم المجلس محليا وإقليميا ودوليا ، كان ينبغي إستشارتهم ومن ثم تفصيل بيان يتناسب مع ماهو متاح باليد ، ولا ضير إن بدأت التجربة الإدارية الذاتية من عدن وفي عدن فقط .
نجاح التجربة في عدن سيغري باقي المحافظات الجنوبية للحاق بها لأنها تعيش وضع مأساوي للغاية ، يجب على المجلس الانتقالي الجنوبي التركيز حاليا على عدن أنموذج لباقي الأراضي الجنوبية ، وتجاوز الأخطاء والتجاوزات السابقة .
هل سيصمد المجلس الانتقالي الجنوبي أمام التحديات والضغوطات المحلية و الإقليمية والدولية للتراجع عن قراره الأخير ، التراجع بدون إحراز أي نقاط تخفف من معاناة الشعب يعني نهاية الانتقالي ، وبالتالي هل نستطيع وبعيدا عن الإقليم والتحالف توفير تلك المتطلبات الشعبية من مواردنا المالية المحلية .
ماذا لو أصدر الرئيس المؤقت هادي وحكومته قرار بإغلاق موانئ عدن أسوة بجوازات ومطار عدن الدولي سابقا ، ماذا لو أغلق البنك المركزي اليمني بعدن بوجهنا ، هل نستطيع إقتحامه ، وبعد عملية الاقتحام ماهي ردود أفعال الامم المتحدة والإقليم ، ماذا لو تم تعيين محافظا لعدن من قبل المجلس الانتقالي أو تكليف أحد الوكلاء ، هل سيتعامل معه مدراء المكاتب التنفيذية المعينين من قبل الشرعية ، يجب نضع الشعب بالصورة الكاملة لاي سيناريو قادم .
هناك خطوات قانونية كانت كفيلة بالقضاء على الشرعية وإحراج راعي إتفاق الرياض المملكة العربية السعودية ، وهي تنفيذ قرارات الرئيس المؤقت هادي بكسر إحتكار الوقود وإلزام جميع التجار المستوردين بدفع الرسوم الجمركية والضرائب ، عدة خطابات من قبل وزارة مالية الشرعية وجهت لمارب وشبوة و حضرموت وتعز والمهرة بضرورة توريد ما لديها من إيرادات عامة بخزينة بنك عدن المركزي ، ورفضت تلك المحافظات التعميم ، إعتراض أي طائرة أو شاحنة تقل أموال من عدن لتلك المحافظات من قبل قوات الانتقالي يعد إجراء قانوني وإداري بحث .
هناك تعميم من قبل وزارة المالية الشرعية والبنك المركزي اليمني بعدن بإغلاق جميع الحسابات الجارية والخاصة لجميع المرافق الايرادية والخدماتية لدى البنوك التجارية والأهلية وهذا لم ينفد حتى اليوم ، وتنفيذه من قبل الانتقالي قانوني وإداري بحث .
تقاعس الحكومة رغم قراراتها السابقة لشراء وقود لمحطات توليد الكهرباء في عدن وقطع الغيار والزيوت والفلاتر وإجراء الصيانة العمرية اللأزمة يعطي للانتقالي الحق بإلزامها بتنفيذ ما أقرته ، يضرب اليهودي بعصاه هكذا يقول المثل الشعبي .
بيان السعودية كان واضح وهو العودة إلى ما قبل البيان مع الاسراع بتنفيذ إتفاق الرياض فورا ، تصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية الدكتور أنور قرقاش كان مؤيد لبيان السعودية وشديد اللهجة عندما وصف عمق العلاقة مع السعودية وأن حالة الإحباط ( يقصد الجنوبيين وقادتهم ) ولا يجب تغيير الأوضاع من طرف واحد ، يدل ذلك على عدم وجود تنسيق بين الانتقالي وحليفه الأوحد الإمارات أو أن الغرض من البيان تحريك مياه إتفاق الرياض الراكدة .
أعتقد بأن خطوة الإدارة الذاتية للجنوب كانت عبارة عن مناورة لتطبيق إتفاق الرياض والضغط على راعية الإتفاق المملكة العربية السعودية والتي بدورها سترمي بثقلها على شرعية الرئيس المؤقت هادي وحكومته لتنفيذه .
إن إعترافنا بالرئيس المؤقت هادي وحكومته الشرعية يضعنا أمام مأزق كبير بإستحالة تنفيذ الإدارة الذاتية للجنوب إلا برضى الرئيس كمارب وشبوة وغيرها ، وبالتالي عدم قدرتنا القانونية والدستورية على إقالة أي مسؤول يتبع الحكومة الشرعية أو تعيين مباشر من سلطة الأمر الواقع ، نحن أمام تحدي كبير للخروج من مربع الفساد والفشل وسرقة المال العام ، هل نمتلك الجرأة والشجاعة والإقدام على أن نحذوا حذوا مليشيات الحوثي بفرض أمر واقع بعيدا عن التحالف والشرعية والأمم المتحدة ، بالطبع لا حاليا .
بغض النظر عن نجاح التجربة من عدمها ، مشروع الدولة الجنوبية مشروع شعب وهوية وهو قائم حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، التردد وعدم وجود رؤية لبناء الدولة المدنية ومؤسساتها يجعلنا أمام سيناريوا الله يرحم أيام عفاش ، الشعوب قاطبة تبحث عمن يصون لها كرامتها ويحترم مكانتها ويشبع بطونها ويوفر لها الخدمات والرواتب ، ما دون ذلك لا يهمها صراع الساسة وتناحرهم وفنائهم ، علينا كإنتقالي أن نحتوي الكل لأن الوطن لكل أبنائه .
علينا كإنتقالي عمل قاعدة بيانات تشمل جميع فئات الشعب الجنوبي بمختلف توجهاته لأن الكل شركاء بهذا الوطن ، علينا حصر جميع الكفاءات والخبرات للاستعانة بهم في بناء جنوب العدل والمساواة والعيش الكريم ، إستحواذ مجاميع محدودة على قرارات و مناصب وهيئات ودوائر المجلس الانتقالي سيؤدي إلى إنحسار شعبية المجلس برقعة جغرافيا صغيرة جدا .
يجب أن تكون قرارات القيادة متماشية مع هموم وتطلعات الشعب الجنوبي والرفع من معاناته ، لا أن تكون ردود أفعال عندما تشعر بإنحسار شعبيتها وتراجع مكانتها .
بإسم تنفيذ إتفاق الرياض سيتراجع المجلس الانتقالي الجنوبي عن قرار الإدارة الذاتية للجنوب ، وستعود حكومة معين المصغرة بعد تشكيلها إلى عدن ، وسيخرج الساسة منتصرين بينما الشعب وحده هو من يتجرع مرارة الفشل والهزيمة .