ماجد السامرائي يكتب:
الأولوية لتحرير العراق من الاحتلال الإيراني
الوصف الأكثر تطابقاً مع حالة السيادة العراقية هو أنه بلد محتل من بلد أجنبي هو إيران، ليس المهم شكل هذا الاحتلال ومظاهره العسكرية والسياسية والاقتصادية، فلم يعد تطابق هذا الوصف يتطلب جيشاً إيرانياً تقليدياً ينتشر في شوارع بغداد والبصرة وكربلاء وسامراء والموصل، مثلما يسّوق وكلاء هذا الاحتلال لبسطاء الناس، فالنظام الإيراني نجح في تنفيذ مشروع الاحتلال على طريقة هجمات “الدرون” العقائدية، مظاهره متعددة وكثيرة بدءاً من الرايات التي زيّفت في أسمائها معتقدات أبناء الشيعة في حبهم لأهل بيت النبي محمد، وانتهاء بسيطرة الأحزاب المنتمية زوراً للطائفة الشيعية وميليشياتها على مرافق الحياة الاقتصادية في البلد ونهبها بشكل منظم.
أساليب الاحتلال وأهدافه واحدة في انتزاع إرادة الشعب وقتل معارضيه واختطاف شبابه ونهب ثرواته، هذا تحقق منذ التاسع من أبريل 2003 عبر شراكة رخيصة ما بين الاحتلال الأميركي العسكري التقليدي، والاحتلال الإيراني المُحَدّث الذي ما زال المواطن العراقي موجوعاً بكل تفصيلاته اليومية، حيث اختطفت إيران العراق بجميع كنوزه وآليات نظامه السياسي، ما عدا البشر الذين ظلوا عصيّين عن التبعية، بل إن أبناء الشيعة الذين تاجرت باسمهم أحزاب النهب والاستبداد أصبحوا نواة الثورة التي ستطيح بنظامهم الدموي.
الاحتلال الإيراني اهتم بإدامة لعبة المحاصصة الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد التي صنعها الاحتلال الأميركي، رغم أن متعاطي السياسة مدّعي تمثيل السنة الذين ارتصفوا وتناوبوا في طوابير التسّكع على أبواب أوليائهم قادة الأحزاب الشيعية قد خانوا ملّتهم، ولم يصلوا إلى الحدّ الأدنى من المقارنة في الصدق مع السياسيين الأكراد، الذين وازنوا ما بين مصالحهم في الوجاهة والانتفاع الذاتي وبين تحقيق آمال الشعب الكردي.
لم تعد المواجهة السلمية عبر التظاهرات قادرة على التغيير، ولا بدّ من تبني الخيار الذي سارت عليه شعوب مصر والجزائر والسودان، باعتماد الجيش الوطني الحر وسيلة للخلاص والتحرير
فهِمَ السياسي السنّي وأتقن دروس التذلل للقائد الإيراني قاسم سليماني للوصول إلى المنصب السياسي أو الحكومي ولهذا بالغ في رثائه، أما أبناء العرب السنة فحصّتهم شعارات الكذب والدجل.
المعادلة التي لم تتغير عبر الزمن السياسي الطويل للبشرية هي أن مقابل كلّ إصرار على احتلال الأوطان هناك ثورات تحرير شعبية مسلّحة أصبحت مدعومة بوسائل السياسة والإعلام الحديثة، وهذا ما دخل أبوابه السلمية شعب العراق منذ انتفاضة أكتوبر 2019 لتمزيق النمور الورقية التي هيمنت على مقدراته.
لقد انتهى مفعول شعارات الديمقراطية بعد أن فقد النظام السياسي القائم هويته الديمقراطية، التي دائماً ما حاول زعماء الأحزاب الاحتماء خلفها لاستمرار حياة النظام. في ما عدا لعبة الانتخابات التي أُسيء إلى عنوانها بعد مسلسل الغش والتزوير الذي سيستمر خلال الشهور القادمة بأشكال جديدة، ماذا يتبقى لهذا النظام لكي يسمي نفسه ديمقراطياً؟
نظام فاسد وصل مراتب لم يصل إليها أي نظام موصوف بالفساد في العالم، آلاف من ملفات الفساد مركونة في أدراج هيئات النزاهة، تشمل عشرات الوزراء والوكلاء ومن تحتهم في السلم الوظيفي، والرشوة الفاحشة التي أصبحت سلوكاً سائداً في معاملات الناس وحقوقهم في الخدمات، والتردي المخيف الذي كشفته جائحة كورونا في الخدمات الصحية، وانقطاع خدمة الكهرباء في بلد الثروة النفطية، إضافة إلى تردّي التربية والتعليم. بغداد التي كانت تتباهى بين عواصم العالم في زهوها أصبحت من أسوأ عواصم العالم في مستوى المعيشة ونوعية الحياة.
أخطر مفصل تعرض لتأثيرات الاحتلال الإيراني هو أجهزة الجيش والشرطة والأمن، بعد أن أصبحت الميليشيات هي المتحكمة بحياة الناس، تقتل من تشاء من دون حساب، ومثال ذلك قتل أكثر من 700 شخص من الحراك الشعبي خلال الانتفاضة الحالية، دون أن يتمكن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من تحديد القتلة وإعلان عقابهم العادل على الشعب الذي لم يعد يثق بالوعود.
مواسم اغتيالات شباب الانتفاضة تحل بأوقات مرسومة، ويبدو أن مدينة البصرة الباسلة تتعرض هذه الأيام لحملة دموية جديدة قُتلت فيها الناشطة الشابة الشهيدة دكتور ريهام يعقوب وزميلة لها، ولّعل زيارة الكاظمي لعائلتها، كما زار عائلة الشهيد هشام الهاشمي، لا تداوي الجروح ولا توقف مسلسل القتل.
لم يعد النظام مؤهلاً للاستمرار في حكم شعب يستحق نظاماً عادلاً ينفق الثروات من أجل خدمته وليس لجيوب قادة الأحزاب والأغراب. إزاحة الاحتلال الإيراني هي البداية الجدّية لإقامة النظام المدني وفق إرادة الشعب العراقي، وهذا الهدف النبيل لن يتحقق باحتجاجات وتظاهرات سلمية وسائل قمعها جاهزة من قبل الميليشيات. أو بانتخابات مبكرّة جُهزّت لها أدوات التزوير. لا بد من تغيير استراتيجية المواجهة بما يناسبها كجزء من وسائل الدفاع عن النفس.
هناك لعب بالشعارات وتسويق لمقولات استعارتها الأحزاب الإسلامية من الواجهات الديمقراطية العالمية لحماية نفسها، مفادها أنه لم تعد هناك جدوى للانقلابات العسكرية، لأنها تقود إلى دكتاتورية السلطة. تلك الأحزاب ومروّجو بقائها من بعض المثقفين والإعلاميين القائلين بالحفاظ على العملية السياسية، رغم ما ألحقته من كوارث بالشعب العراقي، لا يذكرون بلداناً عربية تخلصت خلال السنوات الخمس الأخيرة من أنظمة استبدادية بواسطة جيوشها الوطنية وحظيت بترحيب العالم الغربي الديمقراطي.
الاحتلال الإيراني اهتم بإدامة لعبة المحاصصة الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد التي صنعها الاحتلال الأميركي، رغم أن متعاطي السياسة مدّعي تمثيل السنة
لم تعد المواجهة السلمية عبر التظاهرات قادرة على التغيير، ولا بدّ من تبني الخيار الذي سارت عليه شعوب مصر والجزائر والسودان، باعتماد الجيش الوطني الحر وسيلة للخلاص والتحرير. في العراق، أصبحت الحالة لا تنحصر بالدعوة إلى تغيير النظام السياسي الفاسد القائم الذي يجب التخلص منه، وإنما تحرير البلاد من الاحتلال الإيراني، وهذا يتطلب قوة عسكرية عراقية اقترح البعض أن تكون من بين صفوف الجيش العراقي السابق وقادته المعروفين بولائهم للوطن، واقترحوا خارطة طريق على الجامعة العربية لمعاونتهم على تحقيقها.
إن البداية الجديّة لتحقيق هذا المشروع اللوجستي، الذي يبدو صعباً على المستوى المحلي والعربي والإقليمي، هي قيام هيئة وطنية عراقية من بين صفوف شباب الانتفاضة وبعض الوطنيين العراقيين، تضع برنامجاً سياسياً وإعلامياً تدعو فيه لتحرير العراق من الاحتلال الإيراني وتوابعه من الأحزاب الإسلامية والميليشيات، من أولى مهامه دعوة الجامعة العربية إلى تبني قرار تؤكد فيه أن العراق محتل من قبل إيران، استنادا إلى قواعد وبيانات وسائل الاحتلال الحديثة، وليس بوجود جيش إيراني نظامي في العراق، الذي استبدل بميليشيات يقودها الحرس الثوري الإيراني.
الخطوة الأساسية الثانية هي دعوة مجلس الأمن الدولي إلى إعادة وضع العراق تحت البند السابع، بعد أن تم ترحيله مؤخرا إلى البند السادس بشروط الوصاية المالية وغيرها، إضافة إلى مناشدة البيت الأبيض الأميركي لرفع يد إدارته عن حماية النظام السياسي القائم، إن كانوا صادقين في شعارات الديمقراطية التي استخدموها إلى جانب لعبة أسلحة الدمار الشامل لاحتلال العراق وتغيير نظامه. ما يطلبه العراقيون هو مساعدتهم في التخلص من الاحتلال الإيراني بوسائل سياسية وإعلامية ولوجستية.
إن مشروع تحرير العراق من الاحتلال الإيراني وذيوله أصبح واجباً وطنيا مقدّساُ يعبّر عن رغبات العراقيين باستثناء عصابات من التابعين المغرمين بولاية الفقيه. لا بدّ للعالم المتحضّر من التخلّي عن النظام الإيراني، والوقوف إلى جانب شعب العراق المظلوم.