أحمد الجعدي يكتب:
حرب اليمن.. لعنة الشعار والجوار وأمنية الماغوط
يمكنني أن أدّعي بعد احتكاكٍ طويل بأطراف الحرب اليمنية وأزعم بالمعرفة عن سبب رؤية تلك الأطراف المتحاربة للموت في هذه الحرب.. على أنه حياة لمكوناتها الصغيرة.
وعدنا بعضنا البعض بالموت، ووعدنا الآخر باستئصاله.
ثم تساءلنا: لماذا كل طرف متمسك بأخطائه وأوهامه!؟ (لأنها أي الأوهام ببساطة من وجهة نظر كل طرف.. تمثل طوق النجاة الوحيد من حتمية الموت الذي وعد به الآخر).
تحت لعنة الشعار وتدخل الجوار أصبحت فرص السلام والاستسلام والتراجع والتفاهم شبه مستحيلة، كانت خسارة المعارك في الماضي مقبولة وتعتبر من أبجديات الحياة إلا أنها في وقتنا الحالي وفِي وجود المعارك الإعلامية وخطاب الكراهية المتبادل أصبحت الحرب وجودية إما نصر وإما موت، ما يعني أن لا أحد يقبل بالحياة تحت ما سمعه من وعودٍ ووعيد على لسان الطرف الآخر.
التخلي عن المشاريع والشعارات والأهداف في هذا الوقت أصبح شبه مستحيل حتى وإن اقتنعت جميع الأطراف أن التخلي عن مشاريعها يمثل فرصة للحل وللحياة وطوق النجاة لوطن لم يتبق منه سوى الاسم، إلا أن الثقة المعدومة والضمانات والدول التي يمكن ان ترعى حلولا وخروجا من هذا النفق المظلم غير متاحة في الوقت الحالي.
الشيء الآخر الذي يزيد الأمر تعقيداً هو المجتمع اليمني الذي لم يكن يوماً من الأيام مستقلّاً ومكتفيا بهويته اليمنية، إذ إن الانتماءات سواءً جنوبية شمالية، قبلية، عقائدية، حزبية، عرقية تتأصل وتتزداد قداسة وتتغذى على الحرب والدماء وكلما ازدادت الحرب ضراوة كلما ازدادت تلك الانتماءات قداسة.
صورة أخرى من صور الانتماءات في المجتمع اليمني نتذكر عندما خرج اليمنيون في 2011 يرفعون شعار إسقاط النظام أسوة بدول أخرى في الوطن العربي، كانت الخيام في الساحات تمثل الانتماءات، كانت الأحزاب والقبائل والأنساب حاضرة في قلب كل شخص وإن كانت ألسنتهم تقول يمناً جديداً، وعندما سقط النظام عاد الشاب المؤدلج لحزبه أو لقبيلته ولأسرته ولكيانه الصغير، ولما قامت الحرب أيضاً قاتل كل فرد من أفراد المجتمع مع فئته التي ينتمي لها والتي يمثل انتصارها في اعتقاده واعتقاد الآخر الذي يحاربه يمثل الانتصار له الاستمرار في حياته.
سنظل مضحوكا علينا، وتظل الحرب مستعرة، ولن تكون هناك جمهورية ولا حياة كريمة ولا مؤسسة قوية ونحن لا نمتلك الجرأة للتخلي عن الشعار ولا عن لعنة الجوار ونحن إلى الآن غير متحررين في انتخاب آرائنا واختياراتنا بما يضمن لنا الحياة والسلام.
فكرة أن من اللازم على المرء أن يموت كثيرًا في سبيل أن يعيش.. تجعل الموت غير كاف، بل يصبح قتل الآخر هو الضامن الوحيد لحياة المرء، وهذا ما جعل الحرب تتشكل من أطراف مختلفة في أماكن متعددة، كل طرف يحارب الحوثي من جهة والإخوان من جهة أخرى والحوثي والإخوان كذلك يقاتلون بنفس الطريقة ومرجعيات الجميع دول إقليمية.
الحل في أمنية الماغوط:
لقد آن الأوان لتمزيق شيءٍ ما/ للابحار عنوةً تحتَ مطرٍ حزينٍ حزين /لاكمغامرٍ تلفهُ سيولُ الحقائب والأزهار/ بل كفأرٍخسيسٍ/ كفأرٍ دامع العينين/ يستيقظُ مذعوراً/ كلما ناحت إحدى البواخرْ/ وتألقت مصابيحُها/ كعيون الضباع المبللة.
هل لدى اليمني الجرأة في النظر للحرب والشعارات المرفوعة بنفس الطريقة التي نظر فيها الشاعر لنفسة مشبهاً إياها بالفأر الخسيس دامي العينين ولم تشكل تلك الصورة المتواضعة فارقاً معه طالما وأن النتيجة في الأخير خلاصه، والخروج من الحرب وليس اللجوء لوكرٍ صغير في رصيفٍ أوروبي ممددةً أحجاره منذُ آلاف السنين في فهم خاطىء من السياسي اليمني وهو يقرأ قصيدة الماغوط أو بفهمٍ متعمد منه وهو يراقب الحرب في بلاده من زاويته الضيقة.
في الأخير من اللازم علينا الاعتراف بأننا فشلنا، ولا يعني فشلنا أن الحوثي الذي خرجنا لقتاله انتصر بقدر ما يمثل الحوثي صورة لفشلنا الذي يكبر كل يوم.