أحمد الجعدي يكتب:
وفِي اليمن لعنة إخوانية
منذُ ما يقارب قرنا كاملا ولدتْ لعنة معقّدة بتركيبتها، ظلّت تنمو أمام أعين النّاس وكأنها كائنٌ طبيعي تتدفق هورموناته بشكلٍ سليم لا يثير فزع من حوله، ظلت تتسلل بين شعوبٍ جاهلة متخلّفة وأميّة متدينة بزيادة عن لوزوميات الشريعة السمحة وأديان الله التي جاءت بها رسلُ السماء، وفِي وقتٍ ضَربت قوميتهم العربية "في قلبها القوي مصر" نكسة ستينية بفعل تحالف من قوى عظمى وقفت بجانب حليفها اليهودي، وفِي ظل عطشٍ إيماني عربي مدفوع بالعواطف، مستجدياً من إرثه العقائدي فكرة خلاصه، تحرّكت هورمونات ذلك الكائن الغريب بطاقات عالية جعلتها تتصرف بشكل غير طبيعي مسببةً طفرةً جينية نتج عنها كائنٌ مشوّه يتكاثر عن طريق مطويات ورقية أو أشرطة مسجّلة وبرامج متلفزة سرعان ما انتشرت بين العرب كالنار في الهشيم.
ما يقارب الأربعة عقود، هو عمر تلك اللعنة على أرض اليمن، منذُ أن حلت واليمنيون في عجزٍ تام عن فكْ شفرتها الخبيثة والخلاص منها، ومن أهم أسباب فشلهم أولاً: تشبث البعض منهم بوهم تاريخي قرأوه من مؤلفات تاريخية غير محققة، وحتى إن صحّت رواياته فإن شعار الإسلام هو الحل وقيام دولة الخلافة التي تلعب على وترها لعنة الإخوان منذ وصولها لليمن لا منطقية ولا هي بالواقعية في عالم تحكمه دولٌ وطنية، وثانياً: هو أن تلك اللعنة الإخوانية لعنة مرنة متحوّرة، متبدّلة ومتلوّنة في كل زمانٍ ومكان.
نص اللعنة الإخوانية:
أيها البلد المفتوح على بحر العرب ومحيط الهند، المعزول عن قارة السمر ببحرٍ أحمر، يا موطن البُن، وَيَا رب الجبال الشاهقة، أيها الممر العالمي، يا صاحب الثروات وأرض الخيرات، لن تجد السعادة التي نعتتك بها شعوبٌ غابرة منذُ القدم، ولن تنعم بسلامٍ ما حييت، فأنا اللعنة الموجودة في مسجدك، وفصلك الدراسي، في حقلك، وناديك الثقافي، في مؤسساتك، وحزبك السياسي، أنا الغش في دكانك، أنا الحرب التي تُحيطُ بدارك، وأنا الخوف الذي يشغلك ويشغلُ جارك، وأنا الجوع، أنا الخوف أنا المرض وأنا الجهل الذي ينتظر عيالك.
كيف تعمل؟
تعمل اللعنة على شكل منظومة سياسية إعلامية عقائدية يجتمع أعضاؤها في حزبٍ سياسي وفِي جماعة دينية، لها مرجعياتها التي حلفوا بالولاء والسمع والطاعة لها، هم على أتم الاستعداد للعمل لمصلحة الجماعة على حساب الوطن، كما أن عندهم مقدرة للعمل ضمن المتناقضات لمصلحة واحدة تعود على جماعتهم، وهم الكائن النشط والجاهز للعمل مع أي طرفٍ كائناً من كان وباسم الدين والوطن تلمس لحنُ أقوالهم لتغليف خياناتهم، فهم مع المشروع السعودي، والمشروع القطري، والمشروع التركي، والإيراني ومع كل تلك التي تحارب من أجل أهداف ومصالح متناقضة.
نجحت لعنة الإخوان على اليمنيين في أن تكون جزءًا من كل تلك المتناقضات وتعمل من خلالها لمصلحتها فحسب، وباستمرارها، أي باستمرار التدخلات المتناقضة والمتحاربة تستمر مصلحتها، وأمام كل هذا، هناك من يُقاتل معها، ويحنقُ من أجلها، أولئك هم الملعونون بها.. فلا بارك الله بهم ولا بارك بها.