محمد أبوالفضل يكتب:

تجليات مصرية لدبلوماسية الجامعات الأجنبية

أصبحت الجامعات الأجنبية في مصر تصلح كمؤشر لمعرفة طبيعة العلاقة مع الدول التي تنتمي إليها، فقد افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأربعاء، الجامعة اليابانية بمصر، ما فُهم منه أن العلاقات مع طوكيو شهدت وسوف تشهد نموا ملحوظا، فوجود المسمى، بصرف النظر عن وجود فرع له في الدولة المقابلة، يكفي للحديث عن دلالات متنوعة.

لدى المراقبين مقاييس مختلفة يمكن من خلالها معرفة مستوى الحرارة السياسية بين الدول. وهناك أنواع عديدة للدبلوماسية غير التقليدية تستخدم لتطوير الروابط المشتركة. وجرى الحديث كثيرا عن هذه وتلك. فكل دولة تتخذ ما تراه مناسبا للحفاظ على مصالحها. وانتعشت دبلوماسية المساعدات مع ظهور فايروس كورونا. ويبدو أن دبلوماسية التعليم في سبيلها لمزيد من الرواج تدريجيا.

دخل تأسيس فروع للجامعات الأجنبية المنطقة منذ زمن طويل من زاوية ثقافية، على أساس أنها واحدة من أدوات القوة الناعمة التي تمكّن دولة ما من الاحتفاظ بنفوذ لها ينطوي على معالم سياسية عميقة. وذاع صيت نماذج كثيرة في دول العالم.

بدأت الجامعات الموازية تجد نشاطا في المنطقة العربية السنوات الماضية، بما يتجاوز حدود العلم والثقافة وخدمة المجتمع والمال والتأثيرات الناعمة بألوانها، وكل المفردات التي يحتوي عليها هذا القاموس من ملامح قريبة وبعيدة، من بينها بالطبع التوظيف السياسي، وسادت في عدد من الدول، ورحب بها من جانب شريحة من المواطنين.

تكاثرت التجربة في مصر مؤخرا، وتحولت إلى تجارب، ولم تعد قاصرة على الجامعة الأميركية، كأقدم الجامعات في المنطقة، تجاوز تاريخ نشأتها في القاهرة قرنا من الزمان، وتجذب أبناء الطبقة ما فوق المتوسطة، والطبقة الغنية، ولعبت دورا متشعبا في الحياة العامة وأصبحت من أهم الجامعات التي تستقطب الطلبة والساسة والمعلمين.

مع موجة الخصخصة التي ازدهرت في مجال التعليم بمصر في أواخر عصر الرئيس الراحل حسني مبارك، وما بعده، بدأت موضة الجامعات التي تحمل أسماء بعض الدول تتزايد، وتجد زخما بالتوزاي مع الجامعات المصرية الخاصة.

أخذت الأولى طابعا استثماريا في الظاهر دون أن تخلو من المحتوى السياسي في الباطن، لأن الجهات الرسمية لن تمنح ترخيصا لجامعة تحمل اسم دولة عدوة أو منافسة، ومن الضروري أن تكون هناك علاقة ودية، كما أنها باتت علامة على تطوير حالي أو متوقع، ما يمنحها بعدا يتجاوز حدود العملية التعليمية.

عندما أرادت مصر والسودان التعبير عن التطور الحاصل في العلاقات تمت إعادة الحياة إلى فرع جامعة القاهرة في الخرطوم أخيرا، ويتم الترتيب لافتتاحه مرة أخرى قريبا، عقب إغلاقه أيام حكم الرئيس السابق عمر البشير، في خضم توتر سياسي حاد. ربما لم ينتبه كثيرون إلى المكونات السياسية التي تحملها الجامعات حيال الدول التي تنتسب إليها في البداية، حيث أنشئت في مصر جامعات حملت أسماء: ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وكندا والصين واليابان، وتنحدر كلها من دول لها علاقات وطيدة أو دافئة مع القاهرة، وليس مهما أن تكون لها جذور في البلد الذي تنتسب إليه. تختلف الجامعات الأجنبية التي تعددت أشكالها وألوانها في مصر عن مثيلاتها التي ظهرت في بعض الدول العربية، وفتحت لها فروعا لجامعات عريقة في الدول التي تعود إليها، ما يعني أن الطابع السياسي حاضر بقوة، ويشي إلحاق اسم الدولة بالجامعة بطابع رسمي، أو شبه رسمي على الأقل، حتى لو كانت بجهود من أصحابها المباشرين، المستثمرين والهيئات التعليمية الخاصة.

حدثني مسؤول مصري ذهب إلى دولة كبيرة، مكلفا بمهام سياسية معينة، في مقدمتها استعادة الدفء في العلاقات والتوازن معها، عن رغبته في إنشاء فرع للجامعة في البلد الذي ذهب إليه، ففي اعتقاده أن هذه الخطوة تمثل قيمة سياسية مهمة.

وشرح أن الهدف العلمي موجود، لأن التوأمة التي يريدها مع جامعة عريقة في مجال تكنولوجيا المعلومات، ومن المهم أن تستفيد مصر من هذه الإمكانيات، مردفا أن إنشاء الجامعة يتطلب موافقة القيادة السياسية في البلدين، وهي مؤشر مهم من الدولة الطالبة لرغبتها في تطوير التعاون والتنسيق ليشمل مجالات علمية وثقافية. يحمل ذلك أيضا رسالة على توسيع أطـر العلاقات في مجالات سياسية وعسكرية واقتصادية، خاصة أن الدولة المقصودة لا تزال في مرحلة النمو، ولديها إحساس بالقلق الإستراتيجي، ومن مصلحتها مد بصرها لدولة في حجم ومكانة وموقع مصر.

أفاض المسؤول في كلامه، واعتبر أن إنجاز هذا الهدف يفتح الكثير من الأبواب المغلقة، أو كانت هناك تصورات أنها كذلك، ويسمح بتبادل زيارات أساتذة جامعات وطلبة، وكل مكونات العملية التعليمية، والتي لن تخلو من مفردات سياسية. يلفت هذا التفسير النظر إلى التوقيتات السياسية التي تأسست فيها كل جامعة أجنبية في مصر، وآخرها اليابانية، وسنجدها تتزامن مع نمو في وتيرة العلاقات. إذن، ليس المقصود نقل العلم والتقدم التكنولوجي من هذا البلد أو ذاك، لأن غالبية الأساتذة محليون، والمقررات لا تعني أنها شبيهة تماما لما يتم تدريسه في البلد الأصلي.

تنطوي الموافقة من الطرفين على تقدير معنوي، لاسيما إذا شهدت اهتماما رسميا من قبلهما، كما هو الحال في النموذج الصيني، وظهرت ملامح في النموذج الياباني عندما احتفت القاهرة وطوكيو بتدشين ما يسمى بالمدارس اليابانية بمصر العام الماضي.

يتواءم انتشار الجامعات الأجنبية مع تطلعات الدولة الأم إلى توسيع مساحة دورها على الساحتين الإقليمية أو الدولية، ويعد التعليم ضمن منظومة متكاملة أحد ركائزها وليس كلها، فثمة أدوات تؤدي جملة من المهام الأخرى.

يؤثر هذا المفهوم على المحتوى الرئيسي للتعليم وجودته، إذا افتقد إلى الرقابة الرسمية، وقياسات مطابقة الجودة، فينحرف عن دوره العلمي ويبقى مردوده السياسي، والذي قد يتراجع، لأن المغزى في الافتتاح هو التعبير عن الدلالة المقصودة منذ البداية.

تراوح مستوى التعليم من جامعة أجنبية إلى أخرى لا يعني تذبذبا في العلاقة مع الدولة المنتسب إليها أو عدم اكتراث من الدولة المضيفة. فهذه الجامعات تدور في فلك الصف الأول والثاني على مستوى التقييم العلمي بالمعايير السائدة في مصر، ولم تنحدر إلى المستوى الثالث بعد، لأن هناك حدا أدنى من الجودة يجعل ربط اسم الدولة بأي جامعة محل مراقبة ولو من بعيد، ففي النهاية تعكس صورة رسمية في الذاكرة الجمعية.