محمد أبوالفضل يكتب:
عين مصر على ساكن البيت الأبيض
تعد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الوحيدة في العالم التي تحظى باهتمام كبير لدى غير الأميركيين، لأن الفائز فيها يؤثر على الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، وتمثل بالنسبة للمصريين اهتماما مضاعفا لما تنطوي عليه من انعكاسات مباشرة.
لعل الملايين الذين شاهدوا مناظرة، مساء الثلاثاء، بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب وغريمه الديمقراطي جو بايدن، تأكدوا أن هناك رابحين وخاسرين كثر من ساكن البيت الأبيض، فهويته الحزبية تحدد تصوراته السياسية.
في ظل المنافسة المحتدمة والتباين في السياسات بين المرشحين، من المتوقع أن يكون التركيز أكثر من المعتاد في الانتخابات المقررة أوائل نوفمبر المقبل، لأن الهوة شاسعة بين الشخصين المرشحين، والتوجهات العامة متناقضة في الخطوط العريضة، ما يجعلها ترخي بظلالها على السياسة الخارجية.
تصوب مصر، حكومة ومعارضة، أنظارها على هذه الانتخابات، لأن نتيجتها مرجح أن تكون لها تأثيرات كبيرة على الأوضاع الداخلية فيها، فكل طرف يتمنى نجاح مرشح بعينه، فالحكومة لا تخفي قدرتها على التفاهم أفضل مع ترامب، بينما المعارضة بأطيافها المدنية والإسلامية ترى في تفوق بايدن طوق نجاة سياسي.
تنفس النظام المصري الصعداء في الانتخابات الماضية عندما تفوق ترامب على المرشحة الجمهورية هيلاري كلينتون قبل أربع سنوات، واستطاع أن يعيد ترتيب علاقاته الخارجية بصورة جيدة، ويتخلص من كثافة الضغوط التي كانت تمارس عليه من قبل إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما في بعض الملفات الحيوية.
عمليا لا تملك مصر أدوات ضغط تمكنها من أن تكون عنصرا فاعلا في الانتخابات، وتظل في عداد المترقبين حتى إعلان النتيجة، وهي تدرك حجم تأثير الفائز على منطقة الشرق الأوسط، الحافلة بالصراعات وذات الأهمية الاستراتيجية لواشنطن.
على الرغم من حيوية الدور الذي تلعبه المؤسسات الأميركية في صناعة القرار، غير أن الرئيس له نسبة حسم ليست هينة، وقد منح ترامب أهمية جديدة، وترك بصمات واضحة على من حوله، وعدد معتبر من الهيئات التي تشاركه في رسم السياسات.
من مصلحة القاهرة أن يُعاد انتخاب ترامب، فقد خبرت التعامل معه، وأجادت التفاهم معه في عدد من القضايا الصعبة، ولم تحدث صدامات طوال فترة رئاسته الأولى، وبالعكس بدا منسجما مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وأسهمت الكيمياء الشخصية في تسريع وتيرة التقارب بينهما.
من مصلحة القاهرة أن يُعاد انتخاب ترامب فقد أجادت التفاهم معه في عدد من القضايا الصعبة ولم تحدث صدامات طوال فترة رئاسته وأسهمت الكيمياء الشخصية في تسريع وتيرة التقارب بينه وبين الرئيس المصري
لم يتعكر الصفو عندما سلك السيسي طريقا موازيا لتطوير العلاقات مع بعض القوى المنافسة، واحتفظ كلاهما بدرجة جيدة من الدفء، منعت حدوث تدهور في أي من القضايا التي ظهرت فيها واشنطن بعيدة عن القاهرة.
يساعد بقاء ترامب في مكانه داخل البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى مصر في استكمال إعادة تموضعها بصورة أكثر إيجابية، فكثافة التحديات الإقليمية التي تواجهها على مستوى الأزمة في ليبيا وشرق البحر المتوسط والخلاف المحتدم مع تركيا، كلها تمثل أداوت جاهزة للرئيس الأميركي، إذا أراد ممارسة ضغوط على القاهرة.
ناهيك عن استمرار أزمة سد النهضة الإثيوبي الممتدة، وهي بوابة كبيرة لواشنطن، حال أراد الرئيس الأميركي التصرف بطريقة تزيد من ورطة القاهرة، فلدى الحزب الديمقراطي رؤية تعول على دعم أديس أبابا، وتأهيلها لأدوار في شرق أفريقيا، بما يقلل فرص اتخاذ إجراءات لحضها على التوصل لاتفاق ملزم مع مصر والسودان.
يُضاف إلى ذلك التقلبات التي تشهدها القضية الفلسطينية، حيث أوجدت تصورات ترامب واقعا قد لا يتماشى مع الإدارة الديمقراطية، فإذا نجح بايدن يمكن أن يعيد النظر فيها، لأن ثمة تقديرات شككت في صمودها أمام العواصف الإقليمية.
نجح الرئيس السيسي في إيجاد مساحة مشتركة مع إدارة ترامب، ساعدته على عبور بعض المطبات، وتعزيز فكرة التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، مستفيدا من التحولات في بنية النظام الدولي التي وفرت هامشا للمناورة والحركة دون الإخلال بالقواعد الحاكمة للعلاقات المشتركة، بمعنى لم تنحز القاهرة إلى موسكو أو بكين بما يضر بواشنطن ومصالحها في المنطقة، أو العكس.
يمكن أن تؤدي هذه السياسة، في حالة فوز بايدن، إلى خلاف يقود إلى صدام، لأن الإدارة الديمقراطية مع كل المرونة السياسية التي تتحلى بها تتحفظ أحيانا على فكرة الشراكات المتعددة والمتناقضة.
ربما تكون قد طرأت تغيرات في هذه المسألة مع ما يشهده العالم من تشابكات وتقلبات، لكن في حالة مصر قد يكون ذلك تكئة لبايدن لفرض خيارات ضيقة عليها، لأن ما رشح من تصريحاته بشأن النظام الحاكم لا يشير إلى استمرار الهدوء الراهن.
التقطت قوى في المعارضة المصرية الخيط الرفيع الذي يربط الحزب الديمقراطي بقضية الإصلاحات السياسية، وأخذت تعتقد أن فترة بايدن واعدة، وتعيد إلى الأذهان فترة أوباما وموقفه السلبي من النظام المصري، وتنتظر اليوم الذي يدخل فيه بايدن البيت الأبيض، باعتباره الشخص الذي يستكمل مسيرة أوباما وهيلاري كلينتون، والتي توقفت عقب ثورة 30 يونيو 2013، وإحباط مشروع التوسع في تصعيد الإسلام السياسي.
ينتظر أنصار هذا التيار هزيمة ترامب بفارغ الصبر، لأن تصرفاته عززت نجاحات السيسي في الداخل والخارج، وقوّضت من نفوذ أنصار الإسلاميين في مصر، وأوحت إشارات الغزل التي أطلقها بايدن مؤخرا أنه سند حقيقي لهم في المنطقة، ولن يتورع عن تبني إجراءات صارمة ضد القاهرة لتخفيف القيود المفروضة عليهم.
تتجاهل هذه الفرضية بعض التطورات المهمة، ومن أبرزها أن النظام المصري اكتسب شعبية، وثبّت أقدامه على أصعدة متباينة، بالتالي فمناعته ومقاومته للضغوط أصبحت أكبر، وقدرته على التعامل معها أكثر رشادا، وعملية الفوضى الخلاقة اختبرت وفشلت، ولم تمنح التمكين كاملا للإسلاميين.
كما أن الأحداث التي مر بها العالم، مثل فايروس كورونا وتداعياته الاقتصادية، قوضت المطالبات الغربية للحكام بالإصلاحات السياسية، وقللت من العزف على وتر إفساح المجال لمشاركة واسعة لما يسمى بالتيار الإسلامي المعتدل في السلطة بعد التأكد من تحالفه مع المتطرفين، وأنهما وجهان لعملة واحدة.
لا يعني ذلك أن تنصرف مصر عن متابعة الانتخابات الأميركية. ففوز ترامب لفترة رئاسية ثانية ستمكنه من التصرف بمزيد من الحرية، متحللا من قيود سياسية كثيرة. كما أن فوز بايدن يفرض على القاهرة الاستعداد لمواجهات متدرجة تحسم نتيجتها بتسجيل النقاط وليس بالضربة القاضية.