محمد محمود بشار يكتب لـ(اليوم الثامن):
من الباغوز إلى الحسكة.. داعش في خلافته الثانية
للمرة الأولى في سنوات (تمدد) دولةِ داعش يهرب أبناء العشائر العربية من تقدمِ مسلحي التنظيم و يتجهون إلى مناطق تحت سيطرة من يتهمهم التنظيم بالكفرِ و الإلحاد.
بدأت الخلافة الثانية لداعش بالظهورِ بشكلٍ علني و عسكريٍّ منظم في العشرين من كانون الثاني/يناير في عامنا الحالي الثاني و العشرين بعد الألفين، و ذلك في سجن الصناعة في حي غويران بمدينة الحسكة شمال و شرق سوريا.
سيطر الدواعش على عدة نقاط في حي غويران الشرقي و حي الزهور بالإضافة الى أغلب المباني و النقاط في سجن الصناعة و الذي يُعرَف بأنه أكبرُ و أخطرُ سجن في العالم لمسلحي التنظيم المحتجزين، و بدؤوا بنشر الصور و الفيديوهات التي يظهر فيها الدواعش و هم يتوعدون (الكفرة و الملاحدة) و يوعدون بالتمدد و رفع رايتهم السوداء مرة أخرى.
أظهرت السنوات العشر للحروب السورية بأن (الحاضنة الشعبية) لأي طرف عسكري ستمكّنه من السيطرة الجغرافية.
و كانت داعش في بدايات تمددها في سنة 2014 تعتمد بشكل كبير على تلك الحاضنة التي كانت تقع تحت تأثير الشعارات الدينية التي كان يرفعها التنظيم. طبعاً هذا كان في الخلافة الأولى لداعش أي بين أعوام 2014 و 2019 حينها كانت الحدود السورية – العراقية مفتوحة أمامه و كان يسيطر على مساحات شاسعة في الدولتين.
في أواخرِ شهرِ آذار/مارس من عام 2019 كان العالم كله يراقب ما يجري في تلك البلدة الصغيرة على الحدود السورية – العراقية.
انتهت حينها في الباغوز الخلافة المزعومة لأعتى تنظيم إرهابي عرفه التاريخ المعاصر و الذي كان يطلق على نفسه تسمية (الدولة الإسلامية في العراق و الشام).
أول من أعلن عن سقوط الخلافة كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أغرق العالم بتغريداته على التويتر معبراً عن قوة جيشه و عظمة بلده و أعرب عن شكره للشركاء و الحلفاء.
سيشهد التاريخ على استشهاد اثني عشر ألف مقاتل و مقاتلة و جرح ما يُقارب من خمسةٍ و عشرين ألفاً من المقاتلين الآخرين الذين حاربوا هذا التجمع الخطير من الإرهابيين، الذين اجتمعوا من مختلف بقاع الأرض و تهافتوا من أكثر من ستين دولةً لينشروا السواد و القتل و الرعب تحت راية الخلافة الإسلامية، و الإسلام منهم براء، براءة الذئب من دم يوسف.
قواتُ سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب و وحدات حماية المرأة عمودها الفقري، هي من قامت بهزيمة داعش على الأرض.
كانت معركة كوباني في أواسط سبتمبر 2014 الاختبار الحقيقي لإرادة مقاتلي و مقاتلات تلك الوحدات ، الذين تمكنوا من الصمود أمام أشرس هجمة للدواعش آنذاك و كانت الهزيمة الأولى التي عرفتها الخلافة الأولى بزعامة أبو بكر البغدادي الذي قُتل فيما بعد في قرية صغيرة تابعة لمحافظة إدلب على الحدود السورية – التركية و ذلك في عملية خاصة نفذتها قوات أمريكية بمساعدة استخباراتية من الاستخبارات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية بحسب ما صرح به الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لقسد و المسؤولون الأمريكيون.
الوضع اليوم مختلف تماماً عما كان عليه قبل عدة سنوات.
من كانت تعتبرها داعش الحاضنة الشعبية لها، تهرب اليوم منها وذلك يدل على أمرين:
الأول و هو انعدام الثقة و معرفة حقيقة داعش من قبل أبناء العشائر العربية في الجزيرة السورية، حيث كانت سنوات سيطرة داعش سنوات من الرعب و القتل و البطش و تسلط أمراء التنظيم على البشر و الحجر.
أما الثاني فهو ثقة العشائر العربية في المنطقة بقوات سوريا الديمقراطية و مدى جدية الميثاق الاجتماعي الذي تبنَّته الإدارةُ الذاتية لشمال و شرق سوريا و الذي ينص على حق جميع القوميات و الأديان في العيش بكرامة و مساواة و المشاركة في صناعة القرار السياسي و تبوُّؤ المناصب القيادية في المؤسسات العسكرية.
أي أن هذه الإدارة أثبتَت بالفعل أنها ليست إدارة خاصة بقومية أو دينٍ محدد و إنما هي إدارةٌ تشاركية تضم جميع المكونات القومية و الدينية في شمال و شرق سوريا.
في معركة الحسكة و التي سماها التنظيم باسم معركةُ غويران، اتضَحت عدةُ نقاط و أمور كانت غائبة فيما مضى و هذه النقاطُ ستجعل استمرارَ داعش في خلافته الثانية لمدة طويلة أمراً في غايةِ الصعوبة و ضرباً من ضروبِ المستحيل.
فقدان الحاضنةِ الشعبية بالإضافة إلى عدم القدرة على الاحتفاظ بالمواقع المُسيطَر عليها. يجعل من هذه الخلافة خلافةً هشَّة، و هناك أمر آخر هو بغايةِ الأهمية و هو عندما هرب أغلبية أهالي أحياء غويران شرقي و غويران غربي و الزهور و السكن الشبابي و اتجهوا إلى باقي الأحياء في مدينة الحسكة الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، تم استقبالهم من قبل أهالي تلك الأحياء الذين بقوا في منازلهم و لم تشهد مدينة الحسكة أي نزوح للأهالي باتجاه المدن الأخرى، باستثناء النزوح الذي حصل في تلك الأحياء المذكورة أسماؤها في الأعلى و هذا النزوح كان ضمن المدينة.
الخلافة الثانية لداعش هي من دون خليفة و من دون حاضنة شعبية و من دون أراضٍ محددةٍ و واضحة الحدود، وهذه الأمور مجتمعة تؤرق التنظيم و تجعله متخبِّطاً ليتحول إلى مجموعةٍ من العصابات المنفلتة و التائهة لينتهيَ بها الأمر إلى العودة إلى نظامِ الخلايا النائمة و تجميد فكرة التمدد التي تجمدت على أسوارِ سجن الصناعة داخل مدينة الحسكة.