د. علي محمد فخرو يكتب:
نظام إقليمي عربي يتخطى ردود الأفعال
من أشد الصفات السلبية للنظام الإقليمى العربى الحالى، ممثلا بمؤسسة القمة العربية وما يتبعها من تنظيمات الجامعة العربية السياسية والأمنية على الأخص، أنه يظل يدور فى حلقة ردود الأفعال المؤقتة العابرة تجاه ما تواجهه هذه الأمة من تحديات ومشاكل وجودية كبرى. وفى الغالب لا تتعدى ردود الأفعال تلك عن دعوة لاجتماع مندوبين أو وزراء يعقبه إصدار بيان، ثم يترك الأمر لكل دولة عضو أن تتصرف وتخيط وتبيط حسب مزاجها وإمكانياتها وأحيانا هلوساتها المزاجية المليئة بالأخطاء.
نذكر بهذه الصفة المتجذرة المفجعة بمناسبة الوقوف المتفرج لمؤسسة القمة العربية وأجهزة الجامعة العربية تجاه التغيرات الهائلة والأخطار الكبرى التى تطرحها الحرب الجارية منذ أكثر من شهرين فى أوكرانيا وتبعاتها فى العالم كله، بما فى ذلك الوطن العربى.
الكثيرون يتحدثون عن أن عالما جديدا سيولد فى المستقبل القريب، أيا تكون نتائج تلك الحرب الجنونية. فمنذ الأسبوع الأول من تلك الحرب كانت الدراسات والتوقعات ساطعة إلا، كما يبدوا، عند أصحاب القرار القادة فى مؤسستى القمة والجامعة. ترك الأمر لكل دولة كى تتصرف حسب أفهامها السطحية ومصالحها الآنية، مع أن الأمر يهم الكل، وسيؤثر عميقا فى مستقبل الجميع.
أقل ما كان منتظرا هو أن تطلب مؤسسة القمة من الجامعة العربية الدعوة لاجتماع يضم عددا من مفكرى ومحللى السياسة العرب، مع بعض من ذوى الخبرة السياسية الناضجة المشهود لهم بالعمق والاتزان، ليتدارسوا أمر الظاهرة الدولية الجديدة من جميع وجوهها، تاريخا وملابسات قديمة وحديثة سبقت الظاهرة، وما يمكن أن تعنيه مستقبلا بالنسبة للأمة العربية وبالنسبة لتوازنات المنطقة العربية، وخصوصا ما يتعلق بالكيان الصهيونى والدول الإقليمية الطامعة، ثم وضع مجموعة من الخيارات الحيادية المستقلة التى يمكن أن تتبعها الأمة العربية تجاه تلك الحرب وأطراف الصراع، وتجاه كل سيناريو مستقبلى محتمل.
ولا يترك ذلك التقرير فى الأدراج كما جرت العادة، وإنما ينعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب لتدارسه ووضع مقترحات للقمة بشأن ما جاء فيه من أفكار وتوصيات، يتبعه اجتماع قمة لرؤساء الدول ليتخذوا قرارات بشأن ما يهم الأمة العربية وما يجنبها المزالق بالنسبة لحاضر ومستقبل ما يجرى فى أوكرانيا.
هل هذا كثير؟ أبدا، فلقد تعاملت مؤسستا القمة والجامعة من قبل، عندما كانت فيهما حيوية وقيادة، بما يقرب من هذه الجدية والمسئولية تجاه قضايا تقل فى تشابكها وأخطارها عما تحمله الحرب الأوكرانية من تغيرات هائلة فى المسرح الدولى.
غياب الجدية والموقف العربى الواحد المشترك قد قاد فى الشهرين الماضيين إلى أشكال من الابتزازات والضغوطات الأمريكية والصهيونية والأوروبية، وإلى ضبابية فى العلاقات العربية ــ الروسية المستقبلية، وإلى تفاقم فى العديد من المشاكل المعيشية اليومية فى كل الوطن العربى، وإلى خلافات وتباينات فى وجهات النظر القطرية بسبب عدم دراسة الموضوع من وجهة نظر عربية شاملة مشتركة.
وإذا استمر التعامل مع هذا الموضوع بهذه الخفة فإن نتائج ما قد تأتى به حرب أوكرانيا مستقبلا قد يفاجئ النظام القومى الإقليمى العربى برمته، ويساهم فى زيادة الخلافات العربية العبثية، ويؤثر سلبا على العديد من التوازنات الإقليمية والميزات الاقتصادية والجيوسياسية التى يتمتع بها الوطن العربى.
لقد ثبت بصورة قاطعة، خصوصا فى السنوات القليلة الماضية، حاجة النظام الإقليمى القومى العربى لإجراء مراجعة لتاريخه الحديث المتعثر، ولوضع أفكار استراتيجية سياسية واقتصادية وأمنية تنموية تعاونية جديدة لمواجهة الحرائق التى اشتعلت فى طول وعرض الوطن العربى، وبالذات فيما يتعلق بالصراع العربى الصهيونى والتنمر الإقليمى الجديد والجنون الجهادى الإرهابى، لكن مؤسسة القمة العربية فشلت فى أن تقوم باستجابة تاريخية لتلك الحاجة. الحرب فى أوكرانيا وتبعاتها وتحدياتها تطرح وتضاعف تلك الحاجة من جديد.