فاروق يوسف يكتب:

العراق في خوائه الذي يقتل

بغداد

لم يشارك السفير الإيراني في الصلاة الجماعية التي أقامها أنصار الصدر شرق بغداد قبل أيام فيما كان حضوره لافتا في الاستعراض الذي قام به الحشد الشعبي. معه كان هناك ممثلون لحزب الله اللبناني.

حضور هو بمثابة رسالة مزدوجة المعاني. الحشد تنظيم عسكري إيراني مادته البشرية من العراقيين وهو ايضا تنظيم طائفي. لمَ إذاً يكذب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على نفسه برعايته لذلك الاستعراض باعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة؟

يبالغ الكاظمي كثيرا في محاولة إضفاء الشرعية على الحشد.

فكون الحشد جزءا من القوات المسلحة مسألة تتعلق بالتمويل ليس إلا. سوى ذلك فإن الولاء لإيران لا جدل فيه والطائفية لا يمكن اخفاؤها كما أن مهمة الحشد واضحة وهي تتركز في الدفاع عن المصالح الإيرانية مثله في ذلك مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

وإذا ما كانت صلاة الصدريين واضحة الهدف فليست الدعوة إلى إقامة حكومة ذات صبغة وطنية معناها الانحراف عن الصيغة الدينية للدولة وهو ما ينطوي على الاسترسال في المنحى الطائفي في ظل تحالف الصدر مع الأكراد باعتبارهم أكرادا ومع السنة باعتبارهم سنة.

لا مفر إذاً للعراق من أن يكون الوجه الآخر لإيران. أما بشكل مباشر عن طريق استيلاء الحشد على السلطة من خلال الأحزاب الموالية لإيران، أو عن طريق التحالف الطائفي الذي سيقيمه الصدر إن سمحت له الظروف بالعودة إلى العملية السياسية التي تم احتكارها من قبل طرفين، ليس الصلح بينهما بأفضل حالا من اقتتالهما.

حين أقام الصدر صلاته فإنه أراد أن يوجه عن طريق طقس عبادي رسالة سياسية مفادها أن هذه الجماهير التي أدت الصلاة وراءه هي التي ستخرج إلى الشارع من أجل اسقاط الحكومة التي سيقيمها خصومه. أما الاستعراض الحشدي الذي جاء بعد تصريحات نوري المالكي التي تضمنت التحريض على المباشرة بحرب أهلية من أجل حسم النزاع فإنه يضع نظرية المالكي على ميزان التطبيق الواقعي. فهذه القوة العسكرية الهوجاء، غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في إمكانها أن تكون أداة ذلك الحسم.

وليس الخوف من اقتتال شيعي شيعي إلا كذبة، يٌراد من خلالها كسب الوقت واجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات. اما إذا أضطر الطرفان إلى القتال فهناك فتاوى جاهزة تبيح قتل الشيعي لأخيه في المذهب.

ربما هي نظرة متشائمة. ولكن ما يجري على أرض الواقع لا يدعو إلى التفاؤل. فبعد انتصاره في الانتخابات أعلن الصدر عن هزيمته وتخلى عن أصوات ناخبيه، بل وخذلهم وأعتبر ذلك انتصارا. اما بالنسبة للأطراف المهزومة فإنهم بعد أن نجحوا في كسب جولة من غير قتال ها هم يواجهون بمرارة حقيقة تشتت أوساطهم واهتزاز الثقة في ما بينهم وصار البعض منهم لا يتردد في تعليق الفشل على أكتاف البعض الآخر.

تقع العملية السياسية اليوم بين طرفين فاشلين وسيكون تشكيل الحكومة مرجئا إلى أن يحسم الأكراد الخلافات بينهم وهو ما يمكن اعتباره غطاء للفشل الأكبر الذي يتعلق بالوضع داخل مجلس النواب والذي لم يحسم حتى هذه اللحظة. فالمالكي الذي أشبع العراق فسادا قد استولى على الحصة الأكبر من مقاعد الصدريين الفارغة وهو ما يمكن أن يكون سببا مقنعا لقيام حرب أهلية.

اما خارج هذه الدائرة فإن الصمت هو سيد الموقف.

الشعب العراقي ينتظر وإيران تراقب.

لقد فقدت إيران بمقتل قاسم سليماني العقل المدبر لوجودها في العراق. نصح المالكي رفاقه في الإطار التنسيقي أن يعودوا إلى قاآني وهو وارث سليماني غير أن تلك العودة لا معنى لها في ظل الانفلات المحتمل للشارع العراقي. فالصدر بعد أن مضى بعيدا في تحديه لا يمكنه أن يتحكم بالشارع في ظل تردي الأوضاع المعيشية وتفشي الفساد وحضور الحشد الشعبي باعتباره العدو المباشر للاحتجاجات.

كل هذه المعطيات لا يمكنها أن تبشر بانفراجة قريبة. فالطرف المنتصر الذي أعلن عن هزيمته أقام صلاة كان الهدف منها التبشير بقرب إقامة الدولة الدينية. أما الطرف الخاسر الذي أسكرته هبة الانتصار المفاجئة فإنه يعلن عن ولائه للحرس الثوري الإيراني من أجل أن يحسم صراعا يتجاوز خصومه المباشرين فيكون حينها قوة اقليمية قاعدتها في العراق كما هو حال حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

قد لا يفضي ما يقع الآن في العراق إلى شيء له قيمة. ولكنه الخواء الذي يقتل.