محمد ماموني العلوي يكتب:
النظام الجزائري أسير منطق الاستحواذ على الاتحاد المغاربي
الغاية المثلى من تأسيس اتحاد المغرب العربي كانت ولازالت تحقيق التكامل الإقليمي في شمال أفريقيا، استجابة للتطورات الدولية مع بداية تشكل عالم جديد، وتقديم الحلول لصعوبات اجتماعية واقتصادية تشهدها المنطقة، متمثلة في البطالة والفقر وسوء الإدارة والاضطرابات الاجتماعية، من خلال ربط اقتصاديات الدول الخمس وخلق منطقة تبادل تجاري متطورة. لكن كان للنظام الجزائري منطق معاكس لحركة التاريخ.
رغم توقيع الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد على اتفاقية مراكش عام 1989، إلى جانب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والليبي معمر القدافي والموريتاني معاوية ولد أحمد الطايع، تنخرط الجزائر في تسميم الأجواء ليسود انعدام الثقة بين دول الاتحاد.
ما يجهله النظام الجزائري بسبب النظرة القاصرة وغير الاستشرافية أن اتفاقية مراكش المؤسسة للاتحاد ليست فقط قطعة سياسية في شطرنج المنطقة، بل نظرة مستقبلية للمصالح المشتركة لدول الشمال الأفريقي، وذلك في ضوء التحولات المستمرة حول ما يمكن تحقيقه بالعمل معًا، باستخدام كل الموارد الطبيعية والبشرية في سبيل الارتقاء بالمنطقة. ونأخذ مثلا الطاقة المتجددة لمعالجة المشاكل الملحة الأخرى، ومنها الأمن الغذائي واستقلالية القرار والدخول في حقبة جديدة تتماشى مع الروح التي ألهمت العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، بشكل خاص، للإصرار على إنشاء الاتحاد في المقام الأول.
سلوك النظام الجزائري غير المسؤول وغير المقبول دليل على أنه لا يهتم بمعنى التكتلات الإقليمية وأهدافها، إلا ما يخدم عقيدته الفاشلة في إقصاء المغرب وتحجيم أدواره قاريا وإقليميا
دعونا نسترسل قليلا ونتساءل: ألم تكن الجزائر معطلا حقيقيا لهياكل الاتحاد في وقت تحتاج فيه دول المنطقة إلى تضافر الجهود والتضامن مع ما تمر به بلدان العالم حاليا من أزمات مرتبطة بالطاقة والغذاء؟
لو تم تفعيل نصف أو ثلث بنود اتفاقية مراكش لتجاوزنا الآن مشكلة ملف المياه، والذهاب بعيدا في استصلاح الأراضي في المنطقة من خلال الري الدقيق والزراعة المحورية للتقليل من الاعتماد على هطول الأمطار، وهي نقطة مهمة في سياق احتباس الأمطار، والتمكن من استغلال مساحات شاسعة من أراضي اتحاد المغرب العربي القاحلة بالفعل. وحديثنا عن التكامل والتضامن بين بلدان المنطقة يهدف إلى تحقيق هذه الغاية المثلى، إذ أن التصحر ليس شيئًا تحتويه بل تجب محاربته.
وعوض أن تستوعب العقلية السياسية الجزائرية المتغيرات العالمية منذ حرب الخليج الأولى والدوافع التي فككت الاتحاد السوفياتي، وما وقع في عام 2011 وتبعاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية المستمرة إلى الآن، انشغلت هذه العقلية غير الفعالة وغير المواكبة بحياكة المكائد وإنفاق عوائد الثروة النفطية على حفنة من الانفصاليين أرادوا اقتطاع جزء من تراب المملكة المغربية، لتأسيس جمهورية وهمية تتغذى من مال المواطن الجزائري، بدل صرفها في تحقيق إنجازات مهمة لتطوير الطاقات المتجددة وإمكانيات البلدان الزراعية وتحلية المياه، خدمة للوحدة والاستقلال الحقيقي عن التدخلات الخارجية في المنطقة ككل.
تناقضات النظام الجزائري لا تنتهي، ليس آخرها الاعتراض المتشنج على تعيين المغربية أمينة سلمان ممثلة دائمة لمنظمة اتحاد المغرب العربي، فكيف يدعو إلى التكامل الاقتصادي والزراعي وهو يمعن في غلق الحدود وقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع الجار المغربي، رغم ما قاله وزير الزراعة الجزائري السابق رشيد بن عيسى خلال أشغال اللجنة الوزارية المغاربية المكلفة بالأمن الغذائي، التي انعقدت بالجزائر عام 2010، من أن بلاده “مستعدة لوضع خبراتها في مختلف المجالات الزراعية لخدمة التكامل المغاربي، وتشديده على أهمية التنسيق والتشاور بين بلدان الاتحاد من أجل بلوغ الأهداف المنصوص عليها في دورة مراكش المتعلقة بالأمن الغذائي وآليات تحقيقه”.
بعد أكثر من عقد وفي ظل الأزمات الاقتصادية المتكررة لا تجد الجزائر بدا من تعميق أسباب الخلاف مع المغرب ومعاكسة وحدته الترابية، ودعم حركة انفصالية بالمال والسياسة والدبلوماسية، وهذا ما يوضح حقيقة الادعاءات التي ما فتئ هذا النظام يكررها في كل مناسبة بخصوص رغبته في إحياء الاتحاد المغاربي واستمراره بدوله الخمس، وفي نفس الوقت لم تعترض الجزائر، بل أيدت دعوة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إلى إقامة اتحاد مغاربي دون إشراك المغرب وموريتانيا، والاكتفاء بما أسماه “مثلث تونس ليبيا الجزائر”.
وعلى العكس من ذلك، دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاباته الرسمية إلى تجديد العلاقات بين الجزائر والمغرب وتنحية الخلافات جانبا خدمة للمصالح المشتركة، في إطار اتحاد المغرب العربي. لكن الردود السلبية من النظام الجزائري ساهمت في زيادة إضعاف هذا التكتل الإقليمي.
لو تم تفعيل نصف أو ثلث بنود اتفاقية مراكش لتجاوزنا الآن مشكلة ملف المياه، والذهاب بعيدا في استصلاح الأراضي في المنطقة
تكلفة تقاعس النظام الجزائري عن العمل الحقيقي على فهم أهداف اتفاقية مراكش وتحقيقها باهظة للغاية. ولازال هذا النظام يمضي قدما في نهجه، فقبل أيام استنكرت الجزائر بشكل لا يتناسب مع الأعراف والتقاليد الدبلوماسية للدول التي تحترم نفسها، عند تعيين أمينة سلمان، معتبرة قرار قبول اعتمادها “غير مسؤول وغير مقبول”، ووصفته بالقرار المتهور والطائش لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى محمد فقي، بحسب بيان الخارجية الجزائرية.
وكانت الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي قد أعلنت في بيان عبر موقعها أن الأمين العام للاتحاد المغاربي الطيب البكوش استقبل بشكل قانوني وضمن صلاحياته الخميس 13 أبريل 2023 أمينة سلمان التي قدمت له أوراق اعتمادها ممثلة دائمة لاتحاد المغرب العربي لدى الاتحاد الأفريقي.
هناك نقطتان جوهريتا لا بد من الانتباه إليهما في هذه الواقعة الغريبة: أولا، أن الجزائر تريد الاستحواذ على القرار بهياكل الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي من خلال التشكيك في صلاحيات الأمين العام لاتحاد المغرب العربي الطيب البكوش. والغرض خلق كيان جديد من داخل الاتحاد يقصي المغرب الذي كان له الفضل الكبير في خلق هذا التكتل الإقليمي.
ثانيا، من ناحية الرباط، مادام المغرب قد رشح مواطنة مغربية ممثلة دائمة لمنظمة اتحاد المغرب العربي لدى الاتحاد الأفريقي، فهذا يعني أن المملكة المغربية لازالت مؤمنة بموضوع التكتلات والاتحادات وفوائدها الاقتصادية والتجارية والاجتماعية. إذ رغم المشاكل المحيطة بتفعيل مؤسسات اتحاد المغرب العربي بفعل سياسة الجزائر غير الحكيمة، فإن الرباط تسعى جاهدة للإبقاء على هذا التكتل وربطه قاريا بأفريقيا.
سلوك النظام الجزائري غير المسؤول وغير المقبول دليل على أنه لا يهتم بمعنى التكتلات الإقليمية وأهدافها، إلا ما يخدم عقيدته الفاشلة في إقصاء المغرب وتحجيم أدواره قاريا وإقليميا، وقد أهدر الكثير من الوقت والطاقة بالفعل لمعاكسة مصالح المغرب دون أن تحقق الجزائر مرادها، رغم ادعاءات رؤسائها منذ هواري بومدين إلى عبدالمجيد تبون أنهم يعملون على تحقيق التكامل بين دول المنطقة والقارة.